أرشيف

عبدربه منصور هادي . . عسكري ببدلة مدنية

لم يكن أحد في اليمن يتوقع أن يتولى عبدربه منصور هادي مهام إدارة البلاد، فالرجل الذي عين نائباً للرئيس عقب حرب صيف ،1994 عاش في الظل بلا مهام واضحة أو دور مهم، وبلا صلاحيات، فقد كانت كل الملفات بيد الرئيس علي عبدالله صالح، لا أعمال يقوم بها النائب ولا ملفات يديرها، إنه نائب الرئيس وكفى، جائزة استحقها لدوره العسكري في حرب صيف ،94 وشخص مناسب لصالح الذي لا يريد شخصيات قوية إلى جواره .

 

 

أدى هادي مع قيادات عسكرية من جماعة الرئيس علي ناصر محمد أو ما يعرف ب”الزمرة”، دوراً رئيساً في حرب صيف 94 استحق على إثره منصب وزير الدفاع وأدى دوراً بارزاً في تفكيك لواء “العند”، الذي كان مفتاح الطريق أمام قوات الرئيس صالح لدخول مدينة عدن .

 

 

يحمل درجة الأركان من روسيا والتحق بعدة دورات عسكرية متخصصة، ويؤكد محللون سياسيون انه رجل عسكري من طراز رفيع، وأنه قادر على حسم الأمور إذا امتلك أدوات الحكم وصلاحيات كاملة، لكن الانتقادات التي توجه إليه تركز على شخصيته العادية، وأنه لا يتمتع بالمكر السياسي ولا يمتلك “الكاريزما” أو مؤهلات القيادة السياسية، لكن مقربين منه يقولون إنه مثقف واسع الاطلاع ومتابع لأهم الإصدارات العالمية، يحب الاستماع إلى الفنان محمد مرشد ناجي والأغاني العدنية القديمة .

 

 

يمارس هادي رياضة السباحة، لكنه في السياسة لا يسبح ضد التيار، كان يؤدي الدور المرسوم له دون اعتراض، وليست له مواقف قوية أو تصريحات مثيرة للجدل، أحاديثه للصحافة قليلة جداً، ولم يقف أمام كاميرات التلفزيون إلا في مناسبات قليلة تكاد تعد بالأصابع .

 

 

على الصعيد الشخصي يعرف عن هادي علاقته الجيدة مع الجميع، وقد حظي ببعض الاهتمام في الإعلام الرسمي في أعقاب انتفاضة الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عام ،2007 حينها فقط تذكر صالح أن نائبه من محافظات الجنوب ويستطيع إدارة ملف الحراك وتهدئة الشارع الغاضب والحوار مع مكونات الحراك .

 

 

لاحقاً تسلم هادي ملف إدارة الحوار مع أحزاب المعارضة المتمثلة في تكتل اللقاء المشترك، وتوجت جهوده بالاتفاق على تأجيل انتخابات برلمان 2009 لمدة عامين، كان هذا الملف نقطة تحول في مسيرة الضابط الذي دخل المعترك السياسي، وفي عام 2008 أسند إليه منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الحاكم خلفاً لعبدالقادر باجمال .

 

 

وصل اتفاق الحاكم والمعارضة بشأن إجراء الانتخابات إلى طريق مسدود لأسباب يوجزها هادي في حديثه لشبكة “سي إن إن” بقوله: “للأسف لم تجر الانتخابات لأسباب كثيرة، منها الحرب في محافظة صعدة والمشكلات في المحافظات الجنوبية” . وعندما دخلت الأزمة السياسية تحت تأثيرات ربيع الثورات العربية قال إن الأحزاب بدت وكأنها تمشي مع هذا التيار، وعرفت أسلوباً جديداً لتغيير نظام الحكم”، هذا الأسلوب الجديد صب في النهاية في مصلحة هادي الذي وصل إلى منصب رفيع، لكنه ظل بعيداً عن مراكز اتخاذ القرار .

 

 

في فبراير/ شباط الماضي، خرج ملايين اليمنيين إلى الشوارع في ثورة شعبية سلمية تطالب برحيل الرئيس صالح وإسقاط النظام، ويوم 18 مارس/ آذار في “جمعة الكرامة” تعرض المعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء لمذبحة سقط فيها أكثر من 50 قتيلاً وعشرات الجرحى بالرصاص الحي .

 

 

وعندما أعلن اللواء علي محسن الأحمر تأييده وانضمامه إلى ثورة الشعب، تلا ذلك استقالات لوزراء وسفراء وعدد كبير من أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان، كانت التوقعات تشير إلى احتمال انضمام هادي إلى صفوف الثورة، لكن الرجل فضل الابتعاد في الركن “الهادئ”، ولم تصدر عنه مواقف محددة سواء في الدفاع عن نظام صالح أو في تأييد الثورة، ويرى مراقبون أن قرار النائب ينم عن حكمة، فبانضمامه كان سينتقل من أداء دور مهم إلى دور هامشي في ظل بروز قوى عسكرية وقبلية قوية متحدثة باسم الثورة ومتحكمة في قراراتها .

 

 

في إبريل/ نيسان، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي مبادرة لنقل السلطة، تنص على نقل صالح صلاحياته إلى نائبه، ليعود هادي إلى الواجهة باعتباره رجل المرحلة والتوازنات الذي تنعقد عليه آمال اليمنيين لإنقاذ البلاد، ورغم الترحيب بالمبادرة من الطرفين، فإن صالح رفض التوقيع وقدم التعديلات تلو التعديلات حتى تعرضه لمحاولة اغتيال غامضة في قصره يوم 3 يونيو، وانتقاله إلى السعودية للعلاج .

 

 

برزت حينها أصوات تطالب هادي بتحمل مسؤولياته وتسلم السلطة وفق مواد الدستور التي تنص على انتقال السلطة من الرئيس إلى نائبه في حال عجز الأول عن أداء مهامه، وخلال فترة غياب صالح برز هادي بصفته الرجل الأول في البلاد، لكن انتقادات كثيرة وجهت إليه وأكدت أن الحاكم الفعلي هو نجل الرئيس وقائد قوات الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح، وقد نفى هادي هذه الاتهامات، وقال في حديثه لشبكة “سي إن إن”: “الرئاسة لا أحد فيها الآن، مكتب الرئيس فارغ، وعندما أحتاج إلى قائد الحرس الجمهوري أستدعيه إلى وزارة الدفاع ويتلقى التعليمات بصفته قائداً عسكرياً وليس على أساس أنه جالس في الرئاسة” .

 

 

في الأثناء كان هادي يوطد علاقاته بالإدارة الأمريكية ودول الجوار ويقدم نفسه رجلاً أول، ونجح في الحصول على منح سخية من النفط قدمتها السعودية والإمارات وأسهمت مؤقتاً في إنهاء أزمة الوقود .

 

 

على صعيد جهود نقل السلطة، نجح النائب في تحقيق تقدم كبير في إنجاز المبادرة الخليجية من خلال خطة زمنية لتنفيذها تقدم بها مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، كما استطاع تحقيق نجاح ملموس مع المعارضة بشأن الاتفاق على آلية نقل السلطة . وعندما يجلس النظام مع المعارضة لتوقيع المبادرة الخليجية لنقل السلطة سيكون اليمن أمام حدث تاريخي وعلى أبواب مرحلة جديدة رجلها عبدربه منصور هادي، ابن منطقة “الوضيع” محافظة أبين الذي وضعته الأقدار أمام مسؤولية تاريخية، واختارته لقيادة اليمن في ظرف استثنائي وخطير، ويرى مراقبون انه إذا أراد أن يكون على قدر المسؤولية والثقة، عليه أن يكون حاسماً ويقظاً في مرحلة تحتاج إلى الحزم والحكمة، ورجلاً يعمل من أجل الشعب ولخير اليمن .

 

 

 

 

 

المصدر: (الخليج)

زر الذهاب إلى الأعلى